لماذا تزيد الضرائب من ثراء الأثرياء ؟ بصوره قانونيه .
.png)
الضرائب بين العدالة الاجتماعية وزيادة ثراء الأثرياء :
تُعتبر الضرائب واحدة من أهم أدوات الدولة لتمويل الخدمات العامة مثل التعليم ، والصحة ، والبنية التحتية ، والدعم الاجتماعي . وغالبًا ما ينظر الناس إلى الضرائب على أنها وسيلة لتحقيق العدالة الاجتماعية من خلال إعادة توزيع الثروة والحد من الفجوة بين الأغنياء والفقراء . ولكن الواقع الاقتصادي يكشف عن مفارقة مثيرة للاهتمام . وهي أن الضرائب في صورتها الحالية لا تؤدي دائمًا إلى تقليص الفجوة بل قد تسهم بشكل غير مباشر في زيادة ثراء الأثرياء .
في هذا المقال سنناقش بعمق كيفية فرض الضرائب ، والفروق بين ضريبة الدخل وضريبة الثروة ، والأسباب التي تجعل النظام الضريبي الحالي يخدم الأثرياء أكثر مما يخدم الطبقة المتوسطة والفقيرة . كما سنعرض أمثلة واقعية من الولايات المتحدة وغيرها ، ونستعرض الحلول المقترحة عالميًا لإصلاح الخلل في المنظومة .
كيف تُفرض الضرائب عادة ؟
تنقسم الضرائب إلى نوعين رئيسيين يؤثران بشكل مباشر على الأفراد والشركات . وهما :
1 . ضرائب الدخل ( Income Tax ) : وهي ضرائب مفروضة على الرواتب ، والأجور ، والأرباح المباشرة التي يحصل عليها الموظفون وأصحاب الأعمال .
2 . ضرائب الثروة أو رأس المال ( Wealth Tax / Capital Gains Tax ) : وهي ضرائب تُفرض على الأصول مثل الأسهم ، والعقارات ، والاستثمارات طويلة الأجل ، والأرباح الناتجة عن بيعها .
🔹 الحقيقة الجوهرية : معظم دول العالم تفرض ضرائب مرتفعة على دخل الموظفين مقارنة بالضرائب المفروضة على أرباح رأس المال أو الثروة . أي أن الموظف العادي الذي يتقاضى راتبًا شهريًا يتحمل نسبة ضرائب أكبر بكثير من المستثمر أو الملياردير الذي يجني معظم أمواله من الأصول والاستثمارات .
الضرائب على الدخل مقابل الضرائب على الثروة :
لفهم التناقض ، علينا أن نقارن بين طبيعة كل نوع من الضرائب :
-
الموظف العادي الذي يحصل على راتب ثابت يخضع لضريبة دخل قد تصل إلى 20 % أو 30 % في كثير من الدول .
-
بينما المستثمر الثري الذي يحقق أرباحًا بملايين الدولارات من بيع الأسهم أو العقارات قد يدفع ضريبة أرباح رأسمالية لا تتجاوز 10 % أو 15 % فقط .
وهنا يظهر الخلل . حيث يتحمل أصحاب الدخول الثابتة العبء الأكبر ، بينما يظل الأثرياء في مأمن بفضل القوانين التي تمنح استثماراتهم معاملة ضريبية مميزة .
دليل واقعي من النظام الأمريكي :
في الولايات المتحدة الأمريكية ، أثارت تقارير موقع ProPublica ضجة كبيرة بعد أن كشفت أن بعض كبار المليارديرات مثل جيف بيزوس مؤسس أمازون و إيلون ماسك مالك تسلا و X دفعوا نسب ضرائب أقل بكثير من المواطن الأمريكي العادي .
🔸 جيف بيزوس : في بعض السنوات دفع صفر دولار كضريبة دخل ، لأنه لم يحقق دخلًا نقديًا كبيرًا . ثروته كانت ترتفع من قيمة أسهم أمازون ، وهذه الأسهم لا تخضع للضريبة إلا عند بيعها .
🔸 إيلون ماسك : استخدم أسلوب الاقتراض بضمان الأسهم بدلًا من بيعها ، وبهذا تجنب دفع ضرائب دخل عالية . القروض لا تُعتبر دخلًا خاضعًا للضريبة ، مما منحه ميزة هائلة مقارنة بالمواطن العادي .
هذا النموذج يوضح بجلاء كيف أن النظام الضريبي يتيح للأثرياء التوسع في ثرواتهم دون أن يتحملوا العبء الضريبي الذي يواجهه الموظفون والطبقة الوسطى .
لماذا تؤدي الضرائب إلى زيادة ثراء الأثرياء ؟
1 . التركيز على الدخل بدلًا من الأصول :
النظام الضريبي في أغلب الدول يركز على الدخل المباشر مثل الرواتب والأجور . بينما الأثرياء لا يعتمدون على الرواتب الشهرية كمصدر رئيسي للثروة ، بل على الاستثمارات والأصول والعقارات التي تخضع لضرائب أقل بكثير .
مثال توضيحي :
-
موظف راتبه 10,000 دولار شهريًا قد يدفع ما بين 2,000 إلى 3,000 دولار كضرائب .
-
بينما ملياردير يحقق مليون دولار من أرباح الأسهم قد يدفع ضرائب لا تتجاوز 100,000 إلى 150,000 دولار فقط . أي أن نسبة ما يدفعه الموظف من دخله أعلى بكثير من نسبة الملياردير .
2 . استغلال الثغرات القانونية والتخطيط الضريبي :
الأثرياء يوظفون محامين ومستشارين ضريبيين لابتكار طرق قانونية لتقليل الضرائب . ومن أبرز هذه الأساليب :
-
إنشاء شركات في دول منخفضة الضرائب ( Offshore ) لتحويل الأرباح إليها .
-
تأجيل دفع الضرائب عن طريق تحويل الأرباح إلى استثمارات طويلة الأجل لا تُفرض عليها الضرائب إلا عند بيعها .
-
الاقتراض بضمان الأسهم لتوفير السيولة دون الحاجة لبيع الأصول ودفع ضرائب أرباح .
🔹 مثال : شركة Apple احتفظت بجزء من أرباحها في أيرلندا حيث الضرائب منخفضة للغاية مقارنة بالولايات المتحدة ، مما ساهم في زيادة قيمة أسهمها وزيادة ثروة المساهمين دون تحمل ضرائب عالية .
3 . قوة النمو المركب للأموال :
الأموال التي تُعاد استثمارها دون اقتطاع ضريبي كبير تنمو بسرعة هائلة بفضل قوة الفائدة المركبة ( Compound Interest ) . وهذا ما يميز الأثرياء .
كل عام تزداد أرباحهم من استثمارات غير خاضعة لضرائب كبيرة ، ثم يعيدون استثمار هذه الأرباح ، فتتضاعف ثرواتهم بشكل هندسي سريع . على عكس الموظف العادي الذي تتآكل قدرته الشرائية بسبب الضرائب والالتزامات المعيشية .
هل النظام الضريبي الحالي عادل ؟
من الناحية النظرية ، الهدف من الضرائب هو تمويل الخدمات العامة وتوفير العدالة الاجتماعية . ولكن عندما تتحمل الطبقة المتوسطة والموظفون العبء الأكبر ، بينما يتمتع الأثرياء بامتيازات وضريبية منخفضة ، يصبح النظام غير عادل .
عدد من الاقتصاديين يرون أن الإصلاح أصبح ضرورة ملحّة لضمان توازن اقتصادي واجتماعي حقيقي .
الحلول المقترحة عالميًا :
هناك عدة مقترحات يتم مناقشتها على مستوى عالمي لإصلاح النظام الضريبي ، ومنها :
1 . فرض ضرائب على الثروة : مثل المقترحات التي تبناها الملياردير وارن بافيت بفرض نسبة سنوية صغيرة على الأصول الكبرى .
2 . رفع ضرائب الأرباح الرأسمالية لتصبح قريبة من ضرائب الدخل العادي .
3 . إغلاق الثغرات القانونية التي تسمح للشركات بتحويل أرباحها إلى دول منخفضة الضرائب .
4 . زيادة الشفافية الضريبية لضمان أن يدفع الجميع حصتهم العادلة من الضرائب .
الأبعاد الاجتماعية لهيكل الضرائب :
الفجوة بين الأغنياء والفقراء لا تتعلق فقط بالأرقام والإحصاءات ، بل لها انعكاسات مباشرة على المجتمع .
-
زيادة ثراء الأثرياء مع ارتفاع العبء على الطبقة الوسطى يؤدي إلى ضعف الحراك الاجتماعي وصعوبة انتقال الأفراد من طبقة إلى أخرى .
-
يؤدي ذلك إلى تفاقم مشاعر عدم العدالة واحتقان اجتماعي قد يؤثر على الاستقرار الاقتصادي والسياسي .
-
الدول التي تعتمد على نظام ضريبي متوازن تحقق مستوى أعلى من الرضا الاجتماعي والاستقرار مثل الدول الاسكندنافية التي تفرض ضرائب عالية ولكنها تقدم خدمات عامة قوية .
خاتمة :
رغم أن الضرائب وُجدت أساسًا لتمويل التعليم والصحة والبنية التحتية وخدمة المجتمع ، إلا أن هيكلها الحالي في أغلب دول العالم يؤدي بشكل غير مباشر إلى زيادة ثراء الأثرياء أكثر فأكثر . السبب يعود إلى تركيز الضرائب على الدخل بدلاً من الثروة ، واستغلال الأثرياء للثغرات القانونية والتخطيط الضريبي الذكي لصالحهم .
🔹 الخلاصة المهمة للقارئ : الضرائب وحدها لا تقلل الفجوة بين الأغنياء والفقراء ما لم تُصمم بطريقة عادلة ومتوازنة تشمل الثروة والأصول وليس فقط دخل الموظفين الشهري .
✍️ تحياتي لكم : ( مسلم بوحسون )...
جتني لحظة إدراك
ردحذف